فصل: تفسير الآية رقم (155):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (153):

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)}
{كِتَابًا مِّنَ السَّمَآءِ} سأله اليهود أن ينزل كتاباً مكتوباً، كما نزلت الألواح على موسى صلى الله عليه وسلم، أو سألوه نزول ذلك عليهم خاصاً تحكماً في طلب الآيات، أو سألوه أن ينزل على طائفة من رؤسائهم كتاباً بتصديقه {جَهْرَةً} معاينة، أو قالوا جهرة أرنا الله، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. {بِظُلْمِهِمْ} لأنفسهم، أو بظلمهم في سؤالهم.

.تفسير الآية رقم (154):

{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154)}
{الْبَابَ} باب الموضع الذي عبدوا فيه العجل، وهو باب من أبواب بيت المقدس، أو باب حطة. {لا تَعدَّوا} بارتكاب المحظورات، {لا تَعْدُواْ} الواجب. {مِّيثَاقَاً غَلِيظًا} هو ميثاق آخر غير الميثاق الأول، {غَلِيظاً} العهد بعد اليمين، أو بعض العهد ميثاق غليظ.

.تفسير الآية رقم (155):

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)}
{غُلْفٌ} أوعية للعلم، ومع ذلك فلا تفهم حجتك ولا إعجازك، أو محجوبة عن فهم دلائل صدقك كالمحجوب في غلافه. {طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا} ذمهم بأن قلوبهم كالمطبوع عليها فلا تفهم أبداً، أو جعل عليها علامة تدل الملائكة على كفرهم كعلامة المطبوع. {إِلاَّ قَلِيلاً} منهم، أو إلاَّ بقليل وهو إيمانهم ببعض الأنبياء دون بعض.

.تفسير الآية رقم (157):

{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)}
{رَسُولَ اللَّهِ} في زعمه، من قول اليهود، أو هو من قول الله تعالى لا على جهة الحكاية. {شُبِّهَ لَهُمْ} كانوا يعرفونه، فَأُلقي شَبَهه على غيره فقتلوه، أو لم يكونوا يعرفونه بعينه، وإن كان مشهوراً بينهم بالذكر فارتشى منهم مرتشي ثلاثين درهماً وَدَلَّهم على غيره، أو كانوا يعرفونه فخاف الرؤساء فتنة العوام بأن الله منعهم فقتلوا غيره إيهاماً أنه المسيح ليزول افتتانهم به. {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ} قبل القتل فقال بعضهم: هو إله، وقال آخرون: هو ولد، وقال آخرون: ساحر. {إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} الشك الذي حدث فيهم بالاختلاف، أو ما لهم بحاله من علم هل كان رسولاً، أو غير رسول؟ إلا اتباع الظن. {يَقِيناً} وما قتلوا ظنهم يقيناً كقولك: ما قتلته علماً، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو ما قتلوا أمره يقيناً، إن الرجل هو المسيح أو غيره، أو ما قتلوه حقاً.

.تفسير الآية رقم (158):

{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)}
{رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} إلى سمائه، أو إلى موضع لا يجري فيه حكم أحد من العباد.

.تفسير الآية رقم (159):

{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}
{إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي، أو بالمسيح قبل موت المسيح إذا نزل من السماء، أو قبل موت الكتابي يؤمن بما نزل من الحق وبالمسيح. {شَهِيداً} على نفسه بالعبودية وتبليغ الرسالة، أو بتكذيب المكذب وتصديق المصدق من أهل عصره.

.تفسير الآية رقم (171):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)}
{لا تَغْلُواْ} لليهود، أو لليهود والنصارى غلوا في المسيح، فقالت النصارى هو الرب، وقالت اليهود لغير رِشدة، والغلو: مجاوزة الحد، غلا السعر: جاوز الحد في الزيادة، وغلا في الدين: أفرط في مجاوزة الحق. {إِلاَّ الْحَقَّ} لا تقولوا المسيح إله ولا لغير رشدة. {وَكَلِمَتُهُ}، لأن الله تعالى كلمه حين قال له: (كن)، أو لأنه بشارة بشر الله بها، أو لأنه يُهتدى به كما يُهتدى بكلام الله. {وَرُوحٌ مِّنْهُ} أضافه إليه تشريفاً، أو لأن الناس يحيون به كما يحيون بالأرواح، أو لأن جبريل عليه السلام نفخ فيه الروح بإذن الله تعالى والنفخ في اللغة: يسمى روحاً. {ثَلاثَةٌ} أب وابن وروح القدس، أو قول من قال: آلهتنا ثلاثة.

.تفسير الآية رقم (174):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)}
{بُرْهَانٌ} النبي صلى الله عليه وسلم لما معه من المعجز. {نُوراً} القرآن، لإظهاره للحق كما تظهر المرئيات بالنور.

.تفسير الآية رقم (175):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)}
{وَاعْتَصَمُواْ بِهِ} بالقرآن، أو بالله تعالى. {وَيَهْدِيهِمْ} يعطيهم في الدنيا ما يؤديهم إلى نعيم الآخرة، أو يأخذ بهم في الآخرة إلى طريق الجنة.

.تفسير الآية رقم (176):

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}
{يَسْتَفْتُونَكَ} آخر سورة أُنزلت كاملة سورة براءة، وآخر آية نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ} ولما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم جابراً رضي الله تعالى عنه في مرضه، سأله كيف يصنع بماله، وكان له تسع أخوات فنزلت.

.سورة المائدة:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}
{بِالْعُقُودِ} عهود الله التي أخذ بها الإيمان على عباده فيما أحلّ وحرّم، أو ما أخذ على أهل الكتاب أن يعلموا بما في التوراة والإنجيل من تصديق صفة محمد صلى الله عليه وسلم أو العهد والحلف الذي كان في الجاهلية أو عهود الدِّين كلها، أو عقود الناس كالبيع والإجارة وما يعقده على نفسه من نذر أو يمين. {بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} الإبل والبقر والغنم، أو أجنة الأنعام إذا ذكيت فوجد الجنين ميتاً، أو بهيمة الأنعام وحشيها كالظباء وبقر الوحش ولا يدخل فيها الحافر لأنه مأخوذ من نَعمة الوطء.

.تفسير الآية رقم (2):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}
{شَعَآئِرَ اللَّهِ} معالم الله من الإشعار وهو الإعلام: مناسك الحج، أو محرمات الإحرام، أو حَرَم الله، أو حدوده في الحلال والحرام المباح، أو دينه كله {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله} [الحج: 32] أي دين الله. {الشَّهْرَ الْحَرَامَ} لا تقاتلوا فيه وهو رجب أو ذو القعدة أو الأشهر الحرم. {الْهَدْىَ} كل ما يهدى إلى البيت من شيء، أو ما لم يقلد من النعم وقد جعل على نفسه أن يهديه ويقلده. {الْقلآئِدَ} قلائد الهدى، أو كانوا إذا حجوا تقلّدوا من لحاء الشجر ليأمنوا في ذهابهم وإيابم، أو كانوا يأخذون لحاء شجر الحرم إذا خرجوا منه فيتقلدون ليأمنوا فنهوا عن نزع شجر الحرم. {ءَآمِّينَ}: قاصدين أممت كذا قصدته. {فَضْلاً} أجراً، أو ربح تجارة {وَرِضْوَاناً} من الله تعالى عنهم بنسكهم. {يَجْرِمَنَّكُمْ}: يحملنكم، جرمني فلان على بغضك حملني، أو يكسبنكم، جرمت على أهلي: كسبت لهم. {شَنَئَانُ}: بغض، أو عداوة.
أتى الحُطم بن هند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إلامَ تدعو؟ فأخبره، فخرج فمرّ بسرح من سرح المدينة فاستاقه، ثم أقبل من العام المقبل حاجّاْ مقلداً الهدى فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه فنزلت فقال ناس من الصحابة يارسول الله خَلِّ بيننا وبينه فإنه صاحبنا فنزلت. ثم نسخ جميعها، أو نسخ منها ولا الشهر الحرام، ولا آمين البيت الحرام، أو نسخ التقلد بلحاء الشجر فاتفقوا على نسخ بعضها.

.تفسير الآية رقم (3):

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}
{الْمَيْتَةُ} كل ما له نفس سائلة من دواب البَرِّ وطيره، أو كل ما فارقته الحياة من دواب البرّ وطيره. {وَالدَّمُ} محرم إذا كان مفسوحاً، فلا يحرم دم السمك، أو المسفوح وغيره حرام إلا ما خصّته السنّة من الكبد والطحال فحرم دم السمك. {وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} يخصّه التحريم عند داود ويعم باقي أجزائه عند الجمهور، ولا فرق بين الأهلي والوحشي. {وَمَآ أُهِلَّ} ذبح لغير الله من صنم أو وثن، استهل الصبي صاح، ومنه إهلال الحج. {وَالْمُنْخَنِقَةُ} بحبل الصائد وغيره حتى تموت، أو التي توثق فيقلتها خناقها. {وَالْمَوْقُوذَةُ} المضروبة بالخشب حتى تموت. وقذه وقذاً: ضربه حتى أشفى على الهلاك. {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} من رأس جبل أو بئر.
{وَالنَّطِيحَةُ} التي تنطحها أخرى فتموت. {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} من المنخنقة، وما بعدها عند الجمهور أو مما أكل السبع خاصة، والأكيلة التي تحلها الذكاة هي التي فيها حياة قوية لا كحركة المذبوح، أو يكون لها عين تطرف وذنب يتحرك. {تَسْتَقْسِمُواْ} تطلبوا علم ما قسم لكم من رزق أو حاجة. {بِالأَزْلامِ} قداح مكتوب على أحدها أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والآخر غُفل، كانوا إذا أرادوا أمراً ضربوا بها، فإن خرج أمرني ربي فعلوه، وإن خرج نهاني تركوه، وإن خرج الغفل أعادوه، سمي ذلك استقساماً لطلبهم على ما قسم لهم، أخذ من قسم اليمين لأنهم التزموا بالقداح ما يلتزمونه باليمين. {ذَلِكُمْ} الذي نهيتم عنه فسق وخروج عن الطاعة. {يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} من دينكم أن ترتدوا عنه، أو أن يبطلوه أو يقدحوا في صحته، وكان ذلك يوم عرفة في حجة الوداع بعد دخول العرب في الإسلام حين لم يرَ الرسول صلى الله عليه وسلم مشركاً {فَلا تَخْشَوْهُمْ} أن يظهروا عليكم واخشوا مخالفتي. {الْيَوْمَ اكْمَلْتُ} يوم عرفة في حجة الوداع، ولم يعش بعد ذلك إلا أحدى وثمانين ليلة، أو زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كله إلى أن نزل ذلك يوم عرفة. وأكماله بإكمال فرائضه، وحلاله وحرامه فلم ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها شيء من الفرائض من تحليل ولا تحريم، أو بإكمال الحج فلا يحج معكم مشرك. {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى} بإكمال الدين {وَرَضِيتُ لَكُمُ} الاستسلام لأمري {دِيناً} أي طاعة. {فَمَنِ اضْطُرَّ} أصابه ضر من الجوع. {مَخْمَصَةٍ} مفعلة كمبخلة ومجبنة ومجهلة ومحزنة، من الخمص وهو اضطمار البطن من الجوع {مُتَجَانِفٍ} متعمد أو مائل. جنف القوم مالوا، وكل أعوج فهو أجنف. نزلت هذه السورة والرسول صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة، أو في مسير له من حجة الوداع، أو يوم الاثنين بالمدينة.

.تفسير الآية رقم (4):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)}
{الطَّيِّبَاتُ}: الحلال وإن لم يكن مستلذاً تشبيهاً بالمستلذ، قلت وهو بعيد إذ لا جواب فيه. {وَمَا عَلَّمْتُم} وصيد ما عَلَّمتم {الْجَوَارِحِ} الكواسب، فلان جارحة أهله أي كاسبهم {مُكَلِّبِينَ} بالكلاب وحدها فلا يحل إلا صيد الكلب، أو بالكلاب وغيرها أي مُضَرِّين على الصيد كما تُضَرَّى الكلاب، أو التكليب من صفة الجارح المعلَّم {تُعَلِّمُونَهُنَّ} من طلب الصيد {مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} من تأديبه فإن أَكَلَ الجارحة من الصيد فيحل، أو لا يحل، أو يحل في جوارح الطير دون السباع. لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب قالوا: يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فسكت فنزلت، أو سأله زيد الخير فقال يا رسول الله فينا رجلان يقال لأحدهما ذَريح والآخر يكنى أبا دجانة لهما أكلب خمسة تصيد الظباء فما ترى في صيدها؟ فنزلت.

.تفسير الآية رقم (5):

{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} ذبائحهم وطعامهم. {وَالْمُحْصَنَاتُ} حرائر الفريقين عفيفات أو فاجرات، أو العفائف من الحرائر والإماء، ومحصنات أهل الكتاب المعاهدات دون الحربيات، أو المعاهدات والحربيات عند الجمهور. {مُحْصِنِينَ} أعفّاء {مُسَافِحِينَ} زناة {مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ}: ذات خليل تقيم معه على السفاح.

.تفسير الآية رقم (6):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}
{إِذَا قُمْتُمْ} إذا أردتم القيام إلى الصلاة مُحدِثين، أو يجب على كل قائم إلى الصلاة أن يتوضأ ولا يجوز أن يجمع فريضتين بوضوء واحد يروى عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما، أو كان واجباً على كل قائم إلى الصلاة فنسخ إلاَّ عن المُحدِث (وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة ثم جمع الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد). وكان قد أُمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه أُمر بالسواك ورُفع الوضوء.